Marcus Yam / Los Angeles Times via Getty Images

معظم منطقة الشرق الأوسط عبارة عن منطقة صحراوية، ولكن لا تدعوا قلة الأمطار تخدعكم - فكما يُظهر الوضع الأمني، فإن هذه المنطقة دائمة الاضطرابات. ومن الأحداث الدرامية التي شهدناها في الآونة الأخيرة كان سقوط نظام الأسد في سوريا. في أعقاب ذلك، دخلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة على الحدود المشتركة، وبحسب التقارير التي بُثّت في وسائل الإعلام العربية، فقد وصلت أيضاً إلى أحد مجمّعات مصادر المياه الرئيسية في المنطقة: نهر اليرموك. ومع أننا لا نعرف من الذي سيسيطر على المنطقة في المستقبل، ولكن من المؤكد أن هذا سيكون له تأثير كبير على تدفق المياه في النهر وعلى السكان المحيطين به.

يشكل نهر اليرموك جزءًا من الحدود بين سوريا والأردن وبين إسرائيل والأردن. وهو الرافد الرئيسي لنهر الأردن الجنوبي ويتدفق لمسافة 70 كيلومترًا تقريبًا - نصفها في إسرائيل والباقي في سوريا والأردن. وقد عُرفت أهميته الاستراتيجية منذ آلاف السنين: في القرن السابع، دارت معركة "اليرموك" الشهيرة التي حارب فيها المسلمون البيزنطيين، وفي العصر الحديث أقام العثمانيون بالقرب منها خطوط سكك حديدية وجسور، وأقام بنحاس روتنبرغ محطة كهرباء في لاستغلال تدفق المياه لتوليد الكهرباء "الطاقة الكهربائية".

نهر اليرموك اليوم
يعد نهر اليرموك مصدرًا مهمًا للمياه بالنسبة لسكان جنوب سورية، إلا أن أهميته الأساسية تكمن بالنسبة للمملكة الأردنية. "فهو مصدر النقل الوطني الأردني - قناة عبد الله"، كما يوضح الدكتور ديفيد كاتس، المحاضر الأول في كلية البيئة بجامعة حيفا والمتخصص، في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود.
وبالنسبة لبلد مثل الأردن، الذي يعاني من ثاني الأماكن عالميًا نقصًا للمياه، فإن هذه القضية تعتبر بالغة الأهمية.

بحسب الأمم المتحدة، يعرّف النقص الحاد في المياه ب 500 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويًا، وفي الأردن، يتوفر لكل فرد 100 متر مكعب من المياه سنويا. ووفقا لكاتس، هناك اتفاقية مياه بين سوريا والأردن تهدف إلى لتنظيم استخدام مياه المنطقة، على سبيل المثال من خلال بناء "سد الوحدة" على الحدود بين البلدين. ومع ذلك، لا تزال المناقشات حول الالتزام بالاتفاق مستمرة، حتى "بعد 50 عامًا من المفاوضات"، 
كما يوضح كاتس، لأن سوريا تضخ المياه الجوفية قبل أن تصل إلى نهر اليرموك ومنه إلى السد، مما يضر بإمدادات المياه في الأردن. "الأردن يأخذ كل ما يستطيع من نهر اليرموك. وفي الشتاء، عندما يكون هناك فائض، تصل المياه إلى إسرائيل". بالإضافة إلى ذلك، منذ اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، تقوم إسرائيل بتزويد الأردن بكمية سنوية من المياه من بحيرة طبريا.

الحدود البيئية
يبدو واضحاً الارتباط بين الأمن المائي في الدول المجاورة وأمن إسرائيل. وبالنسبة للسؤال عما إذا كانت الحدود السلمية أو الحدود "النشطة" هي الأفضل للطبيعة والبيئة من منظور أمني، فإن الجواب معقد وغامض. وبحسب كاتس، فإن الدراسات التي بحثت في المناطق منزوعة السلاح في جميع أنحاء العالم - وهي مناطق حدودية بدون وجود عسكري وبنشاط بشري محدود - مثل شبه الجزيرة الكورية، وجدت أن التنوع البيولوجي ينمو ويزدهر. "في مناطق الصراع، لا يتمكن البشر أحيانًا من الوصول إلى المياه، ومن ثم يتم الحفاظ على النظام البيئي. من ناحية أخرى، عندما يسود السلام ويزداد وصول البشر إلى المنطقة، يبدأ التطور المتسارع والاستخدام المكثف للطبيعة، وبالتالي يتضرر النظام البيئي.
مع ذلك، حتى أثناء الصراع، قد تتعرض البيئة الطبيعية للضرر. وتشير دراسة أجريت على نهر اليرموك في الفترة التي سبقت سقوط الأسد إلى أن التنافس على المياه يشكل عاملاً يعيق التعاون ويؤدي إلى الإفراط في استغلال مياه النهر. وبالتالي، فإن النظام البيئي المحيط بها لم يعد مستدامًا، خاصة في ظل النمو السكاني وتغير المناخ. "يؤثر الصراع على التعاون والاستخدام الفعال والمنسق والصيانة وبناء الأنظمة." ومن منظور اقتصادي أيضًا، يضيف كاتس أن الصراع يقلل من الاستثمار في المشاريع. "لا أحد يستثمر في شيء قد ينفجر خلال بضع سنوات."

المياه والسياسة
يشكل الماء جزءا كبيرا من صراع القوى بين بلدان العالم. "عندما تأسست الدولة، كانت المياه تشكل قضية ذات أهمية قصوى، وتعاطى جميع كبار الساسة مع موضوع المياه". وبحسب كاتس، حاولت منظمة التحرير الفلسطينية والسوريون في ستينيات القرن العشرين تدمير القناة الوطنية وتحويل تدفق المياه في الأنهار الرئيسية التي تتدفق إلى إسرائيل من الشمال ـ نهر بانياس ونهر الحاصباني. "في إسرائيل، رأوا هذا "كذريعة للحرب ومهاجمة سوريا"، كما يوضح. في تسعينيات القرن العشرين، تضمنت محادثات السلام الإقليمية مسارًا ركز على هذه القضية. يقول كاتس بأن المشاريع التي تمت مناقشتها ولكن لم يتم التقدم بها بعد هي مشروع البحر المتوسط والبحر الميت، والذي من المفترض أن يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت؛ وقناة البحر، والتي من المفترض أن تربط البحر الأحمر بالبحر الميت؛ وتوريد المياه المحلاة. المياه من إسرائيل مقابل الكهرباء من الطاقة الشمسية المنتجة في الأردن.

والآن، ورغم التطورات الأمنية، يعتقد كاتس أنه لن يكون هناك تغيير كبير في استخدام مياه النهر. ويوضح قائلا بأنه "ليس لإسرائيل أي مصلحة في الحصول على المزيد من المياه، بل لديها مصلحة في إمداد الأردن بالمياه، حتى يكون هناك نظام مستقر هناك، وحتى لا يكون لدى الناس أي سبب للاستياء"، ومنع أحداث سوريا أن تنتقل الى الأردن." وبحسب قوله فإن الثورة ضد الأسد بدأت في مدينة درعا، القريبة من منبع نهر اليرموك، وشملت المزارعين السوريين الذين اشتكوا من نقص إمدادات المياه. في الواقع، لم يتمكن السوريون في السنوات الأولى للثورة من إدارة قطاع المياه في منطقة اليرموك، وتضرر ضخ المياه لديهم، ونتيجة لذلك، حصلت الأردن على المزيد من المياه. في الآونة الأخيرة، لم تكن هناك أي أضرار ظاهرة لإمدادات المياه في الأردن.

وبالنظر إلى المستقبل، لا يتوقع كاتس أن يقوم المتمردون السوريون ببناء محطات مياه ومحطات ضخ مياه بهدف متعمد لإلحاق الضرر بالأردن. ولكنه يحذر من أن هذا قد يحدث بشكل غير مباشر نتيجة لاحتياجات المياه المحلية وانعدام الرقابة ". على أية حال، فإن الأردن يعاني من نقص في المياه، وإسرائيل لا تريد أن يتفاقم الوضع ويشجع على وجود نظام معاد على أراضيها. "إذا لم يكن هناك مياه في اليرموك، فلن تكون هناك مياه في قناة عبد الله، ولن تكون هناك مياه للزراعة في وادي الأردن ".

تم إعداد المقال من قبل زاڤيت - وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il

panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ